تفهم التيار الإسلامي
Middle East/North Africa Report N°37 2 March 2005
This report is also available in English and French ~
ملخص تنفيذي
تفاعلاً مع الأحداث المثيرة والعنيفة التي جرت في 11 أيلول 2001، فقد اتّجه العديد من المراقبين وصنّاع السياسة الغربيين إلى تجميع كافة أنواع الإسلامية معاً دون تمييز وتصنيفها كمتطرّفة ومعاملتها كعدائية. إن هذه المقاربة أو الطريقة تنطوي على مفهوم خاطئ. فهنالك تيارات إسلامية مختلفة جداً، حيث أن القليل منها يتّسم بالعنف، وأن أقلية ضئيلة تبرّر الاستجابة التي تنطوي على مواجهة متحدّية. إن الغرب في حاجة إلى استراتيجية حسنة التمييز بحيث تأخذ في الاعتبار تنوّع التطلّعات، وعلى الخصوص بالنسبة للتطورات داخل الإسلامية السياسية؛ والتي تقبل حقيقة أن أكثر الإسلاميين حداثة يعارضون بعمق السياسات الأمريكية الحالية وأنهم ملتزمون بالتفاوض من جديد حول علاقاتهم مع الغرب، والتي تتفهّم بأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المتقرّح، والحرب في العراق واحتلال العراق، وكذلك الطريقة التي يتم بموجبها شنّ "الحرب ضد الارهاب"، جميعها تعزّز الدعوة للاتجاهات والنزاعات الجهادية الأكثر ضراوة وخطراً.
إن التمييز الأكثر أساسيةً يكمن بين النشاط العنفي السنّي والشيعي، حيث يشكّل السنّة أغلبية ساحقة –ما يزيد عن 80 بالمائة- من المسلمين. لقد ظهر مفهوم "الإسلام السياسي" لأول مرّة في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، حيث تم اعتبار النشاط العنفي الشيعي التهديد الأكثر إقلاقاً وإزعاجاً. وفي واقع الأمر، بما أن المذهب الشيعي يمثل الأقلية ذات النهج المختلف عن الإسلام، وبما أن الشيعة يمثّلون بشكل نموذجي أقليات في الدول التي يجدون أنفسهم فيها، فإن النشاط الشيعي العنفي الأوسع انتشاراً يتسم بالطائفيةً (يتعلّق بالمجتمعات) – حيث يقوم بالدفاع عن مصالح المجتمع الشيعي بالنسبة للسكان الآخرين وللدولة ذاتها. ولهذا السبب، وكذلك نظراً للدور السياسي الرائد الذي يلعبه الفقهاء والسلطات الدينية (العلماء)، فقد ظلّت الإسلامية الشيعيّة متحدة بدرجة ملفتة للنظر ولم تتشرذم إلى أشكال متصارعة من النشاط العنفي، كما هو الحال بالنسبة للإسلام السني.
وفي الوقت الحاضر، ينصبّ معظم تركيز الغرب على النشاط العنفي السنّي، وإن معظم التخوّف يدور حوله. ويتم النظر إلى الإسلاميّة السنيّة بشكل واسع على أنها أصولية (متزمّتة) ومتطرفة بشكل منتظم وأنها تهدّد المصالح الغربية. وفي الواقع، أنها ليست على الإطلاق وحدة متراصّة. وعلى العكس من ذلك، فقد تبلورت في ثلاثة أنواع متميّزة رئيسية، كل نوع منها له نظرته العالمية وطريقة عمله ونشطاؤه المميّزون.
الحركات الإسلامية السياسية التي تتمثل في جماعة الإخوان المسلمين في مصر وفروعها في أماكن أخرى (الجزائر، الأردن، الكويت، فلسطين، السودان، سوريا، وخلافه)، وفي حركات متجذرة ومتأصلة محلياً، مثل حزب العدالة والتطور (AKP) في تركيا، وحزب العدالة والتطور (PJD) في المغرب، اللذين يتمثّل غرضهما في الوصول إلى السلطة السياسية على المستوى الوطني. وهؤلاء يقبلون الآن، بوجه عام، الدولة القومية، ويعملون ضمن إطارها الدستوري، ويتجنبون العنف (باستثناء الظروف التي يكونون فيها تحت الاحتلال الأجنبي)، ويُظهرون بوضوح نظرة إصلاحية وليس ثورية ويحثّون على مبادئ ومعايير ديمقراطية شاملة. إن الناشط المتميّز هو المناضل السياسي المنتمي للحزب؛
الدعوة الإسلامية المتواجدة في نهجين مختلفين كانت تتمثّل في حركة التبليغ ذات الهيكلية والبنية الرفيعة من ناحية، والسلفية الواسعة الانتشار من الناحية الأخرى. وفي كلتا الحالتين، فإن السلطة ليست هدفاً؛ إن الغرض المهيمن هو الحفاظ على الهوية الإسلامية والعقيدة الإسلامية والنظام الأخلاقي في مواجهة قوى الكفر، وإن الناشطين المميّزين هم دعاة وعلماء؛
الجهاد الإسلامي المتواجد في ثلاثة مناهج مختلفة: الداخلي (الذي يقاوم اسمياً الأنظمة الإسلامية التي تعتبر غير ورعة)؛ والتحريريون الوحدويون (الذين يقاتلون لاسترداد الأراضي التي يحكمها غير المسلمين أو الجاثمة تحت الاحتلال)؛ والعالميون (الذين يحاربون الغرب). وبالطبع، فإن الناشط المتميّز هو المجاهد.
إن كل هذه الأنواع المختلفة من النشاط العنفي السنّي – السياسي والتبشيري (الذي يقوم بالدعوة) والجهادي – هي محاولات للتوفيق بين التقليد والحداثة، والحفاظ على تلك الجوانب من التقليد التي تعتبر أساسية من خلال التكيّف بطرق مختلفة مع الظروف والأوضاع العصرية؛ وجميعها تختار من التقليد وتستعير بشكل انتقائي من الغرب وتتبنّى بعض جوانب الحداثة. أما اختلافها، فيتمثّل في كيفية تصوّر المعضلة الرئيسية التي تواجه العالم الإسلامي، وفي ما يعتقدونه ضرورياً وممكناً ومستحسناً فعله.
يصنع الإسلاميون السياسيون قضيّة من سوء الحكم والإدارة الإسلامية والظلم الاجتماعي، ويعطون الأولوية للإصلاح السياسي بحيث يتسنّى تحقيقه من خلال العمل السياسي (الذي يؤيد ويتبنى سياسات جديدة ويطعن في نزاهة الانتخابات، وخلافه). أما السلفيون، فإنهم يصنعون قضية من فساد القيم الإسلامية وضعف الإيمان، ويعطون الأولوية لنوع من إعادة التسلّح الأخلاقي والروحي الذي يدافع عن الفضيلة والطهارة الشخصية كشرط للحكومة الصالحة والنهضة الجماعية. ويصنع الجهاديون قضيّة من الوزن والثقل الجائر للسلطة السياسية والعسكرية غير المسلمة في العالم الإسلامي ويعطون الأولوية للمقاومة المسلحة.
إن أيّ تطلّع من هذه التطلعات الرئيسية الثلاثة سوف ينتصر ويسود في المدى البعيد والطويل، يعتبر أمراً ينطوي على أهمية كبيرة بالنسبة للعالم الإسلامي وللغرب. وفي حين أنه يتعيّن على الغرب بوجه عام والولايات المتحدة بشكل خاص أن يكونا معتدلين حول قدرتهما في تشكيل الحوار بين الإسلاميين، فيجب عليهما أن يكونا أيضاً على حذر في كيفية تأثير سياساتهما عليه. وتبنيهما لمقاربة أو أسلوب الشدّة الذي يرفض التفريق بين أنواع الإسلاميين المتحررين فكرياً والأصوليين، فإن صنّاع القرار الأمريكيين والأوروبيين يخاطرون في إثارة إحدى نتيجتين غير مرغوبتين بشكل متساوٍ: إمّا حثّ الشرائح المختلفة للنشاط العنفي الإسلامي على التوّحد معاً كردّة فعل، بحيث تعمل على التخفيف من الاختلافات التي قد يتم خلافاً لذلك تنميتها بشكل مثمر، أو التسبّب في قيام الجهاديين بالتفوّق على الاتجاهات التي تميل إلى اللاعنف والحداثة.
القاهرة – بروكسل، 2 أذار 2005